ميدان التحرير ،كلمتان سحريتان ،عنوان الشرف والكرامة،مكان التضحية والاستشهاد، مسرح البطولة والاتحاد.كان مجرد مكان واصبح حالة من "الفوقان" ،لا ندري أنسميه ميدان الحرية ام ميدان الشهداء ام يبقى كما هو رمزا للتحرير من الظلم والفساد والنهب والقمع .ملحمة يسطرها التاريخ بحروف من ذهب يزينها دماء الشهداء لتكتب اروع صفحات انتصار الشعب وعلو صوته بعد فترة كبيرة من السكوت والاستسلام ، من ميدان التحرير لنا هذه الحكايات.
سيدة عجوز تجلس على احد الأرصفة،الحاجة امينة يلتف حولها مجموعة من الشباب في اليوم السابع من الاعتصام ،يسألها احد الشباب ماذا اتى بكي؟ فتجيب:" لقد توفى زوجي منذ سنوات في حادث الدويقة الشهير وانهار منزلنا واصبحنا في الشارع انا واولادي وبعد عناء حصلنا على شقة بسيطة ايجار جديد ومعاش زوجي ضئيل لا يكاد يكفينا فاضطررت للعمل كبائعة خضروات لكي اؤمن لاولادي مستقبلهم وسمعت عن الثورة وشاهدتكم تطالبون بمستقبل افضل لكل المصريين فجئت وساظل هنا حتى يرحل و يرحل كل من تسبب في تشريدنا وجوعنا" وبكت وبكى من حولها من الشباب ومد بعضهم يديه في جيوبه ولكنها رفضت ان تأخذ جنية منهم قائلة "لقد جئت لأخذ حقي من كل ظالم وفاسد وليس منكم" .
أحمد شاب متحمس يقف وسط الحشود يهتف هتافا يخرج من قلبه قبل لسانه،يمسك بعلم مصرويهتف لها بالحرية والكرامة ولكنه يهتف منذ ساعات متصلة لذلك قرر ان يرتاح قليلا ويلتقط انفاسه .مد ّ له شاب لا يعرفه بزجاجة مياه وابتسامة تعلو وجهه فشكره احمد وشرب . يتذكر لماذا هو هنا ،هو هنا من اجل اخيه الذي توفى في قسم الشرطة اثر تعذيبه ليعترف بجريمة لم يرتكبها ،قتله الظلم بايد جنود لا يعرفون الرحمة تحت سمع وبصر رؤوساهم المجرمين الحقيقين وليس من يحققوا معهم وقال لنفسه جئت لأخذ ثأر اخي جئت كي تفرح امي من بعدما اصبحت لا تعرف في الدنيا غير البكاء على ابنها وهب واقفا كي يكمل الهتاف.
تراها تدور على المعتصمين بالطعام والشراب ،هالة طالبة الجامعة الأمريكية وابنة احد رجال الاعمال الشرفاء .كونت صداقات لا بأس بها من طول بقاءها في الميدان وعند اقترابها من احد الشباب لتعطيه الطعام تبدو انها تعرفه قال لها:"هالة،اسمحي لي معظم من في الميدان جاءوا يشتكوا الفقر والبطالة ولكن انتي مثقفة و طالبة الجامعة الامريكية ووالدك ثري فما الذي أتى بكي الى هنا؟" ابتسمت قائلة :"نعم ما تقوله صحيح،لم آتي لاشكو الفقر والبطالة، لقد جئت من اجل الحرية المسلوبة .لقد زرت بلادا كثيرة وقرأت وشاهدت ما يناله الانسان من حرية كرامة ومعاملة آدمية ونحن لسنا اقل منهم نحن شعب عظيم جدير بالديموقراطية وان يجد فرصة ليحسن بلاده.كم من نابغة هرب من هنا !كم من مشروع ناجح ومفيد لمصر كلها لم ينفذ بسبب الروتين والاجراءات الحكومية !كم من مواطن شريف تصدى للفساد وقوبل بالقهر والظلم !لقد جئت من اجل هؤلاء من اجل مصر العظيمة التي تستحق بلا شك مكانة افضل.هل اجبت عن سؤالك؟" قال:"نعم شكرا،مصر تستحق الأفضل بالطبع" وذهبت لتكمل جولتها .